بحـث
المواضيع الأخيرة
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
محمود | ||||
أعمال متطورة | ||||
مفتاح | ||||
احباب الله | ||||
mahm2007 | ||||
محمد جادالرب | ||||
احمد87 | ||||
خالد عبد الوهاب | ||||
وليد | ||||
asim123a1 |
أحكام المسنين في الحج
رابح :: اسلاميات :: صفه الحج والعمرة
صفحة 1 من اصل 1
أحكام المسنين في الحج
سعد بن عبد العزيز الحقباني
أضيف فى 1432/12/03 الموافق 2011/10/30 - 12:00 ص
أحكام المسنين في الحج 3-3
المبحث الثالث
صفـــة حـــج الـمـســـن
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: طواف المسن وسعيه.
وفيه أربع مسائل:
المسألة الأولى: حكم النيابة في الطواف.
المسألة الثانية: طواف المسن محمولاً.
المسألة الثالث: سعي المسن محمولاً.
المسألة الرابعة: هرولة المسن.
المطلب الثاني: دفع المسن من مزدلفة قبل الفجر.
المطلب الثالث: رمي المسن الجمرات.
المسألة الأولى
حكم النيابة في الطواف
إذا عجز المسن عن الطواف بنفسه فهل يجوز له أن ينيب غيره ليطوف عنه، أو يجب عليه أن يطوف راكباً على عربة ونحوها، أو يطوف محمولاً؟
اختلف أهل العلم في حكم النيابة في الطواف على قولين:
القول الأول: لا تصح النيابة عن العاجز في الطواف، بل يجب عليه أن يطوف راكباً أو محمولاً إن عجز عن الطواف ماشياً، وإلى هذا ذهب جمهور العلماء، فهو قول الحنفية[1]، والمالكية[2]، والشافعية[3]، والحنابلة[4].
قال ابن المنذر -رحمه الله تعالى-: «وأجمعوا على أن المريض يطاف به ويجزئ عنه وانفرد عطاء، فقال: يستأجر من يطوف عنه»[5].
القول الثاني: تصح النيابة عن العاجز في الطواف، وإلى هذا ذهب عطاء -رحمه الله تعالى- كما نقله ابن المنذر[6]، وهو قياس قول بعض الحنفية في المغمى عليه، حيث قالوا تصح النيابة عنه في الطواف[7].
الأدلـة:
استدل أصحاب القول الأول القائلون بعدم صحة النيابة في الطواف بأدلة من السنة والاجماع والمعقول:
أ - من السنة:
1- ما ثبت من حديث عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما-: «أن النبي –صلى الله عليه وسلم- طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن[8]»[9].
وجه الاستدلال: أن الحديث يدل على جواز الركوب في الطواف، فلا حاجة للمسن العاجز عن الطواف بنفسه لإنابة من يطوف عنه؛ لإمكان الطواف راكباً أو محمولاً، وعليه فلا تصح النيابة[10].
2- ما ثبت من حديث أم المؤمنين أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: «شكوت إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أني أشتكي، فقال: «طوفي من وراء الناس وأنت راكبة» [11].
وجه الاستدلال: أن النبي –صلى الله عليه وسلم- لم يأذن لأم سلمة بالنيابة في الطواف؛ وإنما أرشدها إلى الطواف راكبة فدل على أن ما سوى ذلك لا يجوز ومثل الركوب حمل العاجز.
ب- الإجماع:
نقل ابن المنذر الإجماع على أن المريض يطاف به محمولاً، وقال لم يخالف في ذلك إلا عطاء[12]، فدل على أن فرض العاجز عن الطواف بنفسه أن يطاف به محمولاً، فلا تصح النيابة في ذلك.
ج- من المعقول:
أن المسن العاجز في هذه الحالة يمكنه الطواف محمولاً أو راكباً، وهو أولى لكونه يطوف ببدنه حول البيت، ويمكنه أن ينوي بنفسه الطواف ويأتي بأعمال الطواف الأخرى بنفسه، والنيابة تفوت بها هذه الأمور فلا تصح، لأن المكلف مطالب بأن يأتي بما يستطيع من الطاعات الواجبة.
ولم أجد لأصحاب القول الثاني دليلاً لقولهم -فيما اطلعت عليه-، ولعلهم يرون ذلك قياساً على النيابة الكلية في الحج، فمادام تصح النيابة الكلية في الحج فتصح النيابة في بعض أعماله.
ويمكن أن يجاب عن هذا الدليل بأن النيابة الكلية تجوز في الحج بشرط عجز المنوب عنه عجزاً كاملاً عن السعي للحج وأعماله، وهنا يختلف الأمر؛ حيث إن العاجز ليس عاجزاً عن الطواف محمولاً أو راكباً، فلا تصح النيابة مع القدرة على ذلك.
الترجيح:
ولعل الراجح -والله تعالى أعلم- هو القول القائل بعدم صحة النيابة في الطواف، لما يلي:
1- لقوة أدلة هذا القول وسلامتها من المناقشة.
2- لورود المناقشة المؤثرة على ما يمكن أن يستدل به للقول المخالف.
3- ولأن المكلف مطالب بما يمكنه الإتيان به من الأعمال، والمسن العاجز يمكنه الطواف راكباً أو محمولاً، فلا تصح النيابة مع إمكان ذلك.
المسألة الثانية
طواف المسن محمولاً
وفيها ثلاثة فروع:
الفرع الأول: حكم طواف المسن محمولاً.
الفرع الثاني: إذا طيف بالمسن العاجز فلمن يكون الطواف.
الفرع الثالث: الفرق بين الحمل والركوب في العربة.
الفرع الأول
حكم طواف المسن محمولاً
إذا كان المسن لا يستطيع الطواف بنفسه، أو كان يشق عليه لعذر كبر السن فهل يجوز له الطواف محمولاً؟
لا خلاف بين أهل العلم في المذاهب الأربعة في صحة الطواف محمولاً لمن لا يستطيع الطواف بنفسه راجلاً، أو كان يشق عليه ذلك لعذر الكبر[13].
قال السرخسي -رحمه الله تعالى-: «وإن طاف راكباً أو محمولاً فإن كان لعذر من مرض أو كسر لم يلزمه شيء»[14].
وقال الباجي -رحمه الله تعالى-: «وأما جواز الطواف للراكب والمحمول للعذر فلا خلاف فيه نعلمه»[15].
وقال النووي -رحمه الله تعالى-: «الأفضل أن يطوف ماشياً، ولا يركب إلا لعذر مرض أو نحوه»[16].
وقال ابن قدامة -رحمه الله تعالى-: «لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في صحة طواف الراكب إذا كان له عذر... والمحمول كالراكب فيما ذكرناه»[17].
الأدلـة:
واستدل العلماء على صحة الطواف محمولاً للعذر بأدلة من السنة والمعقول:
أ - من السنة:
1- ما ثبت من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- طاف في حجة الوداع على بعير يستلم ا لركن بمحجن.
وجه الاستدلال: طواف النبي –صلى الله عليه وسلم- راكباً وقيل إن ذلك كان لحاجة، فدل على جواز الطواف راكباً، والمحمول مثل الراكب لاسيما إذا كان لعذر[18].
2- ما ثبت من حديث أم المؤمنين أم سلمة -رضي الله عنها- أنها قالت: شكوت إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أني أشتكي، فقال: «طوفي من وراء الناس وأنت راكبة».
وجه الاستدلال: أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أجاز لأم المؤمنين أم سلمة -رضي الله عنها- بالطواف راكبة للعذر، فدل الحديث على جواز الطواف راكباً للعذر والمحمول في حكم الراكب[19].
الفرع الثاني
إذا طيف بالمسن العاجز محمولاً؛ فلمن يكون الطواف؟
إذا طيف بالمسن العاجز محمولاً فلمن يكون الطواف؟ هل يكون للحامل أم للمحمول أولهما معاً؟
للنية أثر في حكم الطواف في مثل هذه الحالة، فلا يخلو الأمر من أن يكون الحامل قد نوى الطواف لنفسه، أو للمحمول، أو له وللمحمول معاً.
فإذا كان الحامل قد نوى الطواف لنفسه دون المسن المحمول، أو نوى للمحمول دون نفسه فالطواف لمن نوي الطواف له دون غيره، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم في المذاهب الأربعة[20].
قال ابن قدامة -رحمه الله تعالى-: «أما إذا طيف به محمولاً لعذر فلا يخلو إما أن يقصدا جميعاً عن المحمول، فيصح عنه دون الحامل، بغير خلاف نعلمه أو يقصدا جميعاً عن الحامل فيقع عنه أيضاً، ولا شيء للمحمول»[21].
واختلفوا فيما إذا نوى الحامل الطواف لنفسه وللمحمول معاً، ونوى المحمول الطواف لنفسه، هل الطواف للحامل أم للمحمول، اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أربعة أقوال:
القول الأول: أن الطواف يقع لهما جميعاً، وإلى هذا ذهب الحنفية[22]، وهو قول عند الشافعية[23]، واستحسنه ابن قدامة من الحنابلة[24].
القول الثاني: أن الطواف يقع للمحمول دون الحامل، وإلى هذا ذهب الشافعية في قول[25]، والحنابلة على الصحيح من المذهب[26].
القول الثالث: أن الطواف يقع للحامل دون المحمول، وإلى هذا ذهب الشافعية على الأصح[27]، وهو قول عند الحنابلة[28].
القول الرابع: أن الطواف لا يقع لأي منهما، وإلى هذا ذهب أبو حفص العُكْبري من الحنابلة[29]، وهو منسوب إلى المالكية، ولم أجد للمالكية قولاً في هذه المسألة في كتبهم
-حسب ما اطلعت عليه-[30].
الأدلـة:
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب القول الأول القائلون بإجزاء الطواف عنهما معاً إذا نويا بأدلة من المعقول:
1- أن الفرض في الطواف أن يكون الطائف حول البيت، وفي هذه الحالة قد حصل الطواف من كل واحد منهما كائناً حول البيت، غير أن أحدهما حصل منه الطواف كائناً بفعل نفسه والآخر بفعل غيره[31].
2- أنه لو حمل شخصٌ المسنَ العاجزَ في مثل هذه الحالة إلى عرفات لصح الوقوف عنهما، وكذا هنا، بجامع وجوب وجود الحاج كائناً في كل من المكانين[32].
ونوقش هذا الدليل بأنه قياس مع الفارق؛ وذلك لأن المقصود في الوقوف في عرفات الكون فيها، والحامل والمحمول كائنان فيها في هذه الحالة، والمقصود في الطواف الفعل، لا مجرد الكون حول البيت، والفعل في هذه الحالة واحد، فلا يقع عن الاثنين[33].
3- أن كل واحد من الحامل والمحمول طائف بنية صحيحة فأجزأ الطواف عن كل واحد منهما كما لو لم ينو صاحبه شيئاً[34].
أدلة القول الثاني:
واستدل أصحاب القول الثاني القائلون بأن الطواف يقع للمحمول دون الحامل بأدلة من المعقول:
1- أنه طواف أجزأ عن المحمول فلم يقع عن الحامل كما لو نويا جميعاً المحمول[35].
ويمكن أن يناقش هذا الاستدلال بأنه ليس هناك ما يمنع من وقوعه عن الحامل والمحمول إذا نويا جميعاً.
2- أن الطواف في مثل هذه الحالة فعل واحد فلا يقع عن اثنين[36].
ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:
الأول: أن المقصود هنا ليس هو الفعل، بل المقصود حصول الشخص حول البيت كالوقوف بعرفة، فالمفروض هناك حصول الشخص كائناً بعرفة لا فعل الوقوف[37].
فكذا في الطواف فإذا وجد الشخص حول البيت فإنه يكفي.
الثاني: أن مشي الواحد جاز أن يقع عن اثنين في باب الحج، كالبعير الواحد إذا ركبه اثنان فطافا عليه، فيصح طوافهما معاً، وكذا هنا[38].
3- أن وقوع الطواف في هذه الحالة للمحمول أولى؛ وذلك لأنه لم ينو بطوافه إلا لنفسه، والحامل لم يخلص قصده بطوافه لنفسه، فإنه لو لم يقصد الطواف بالمحمول لما حمله، فإن تمكنه من الطواف لنفسه لا يقف على حمله فصار المحمول مقصوداً لهما ولم يخلص قصد الحامل لنفسه فلم يقع عنه لعدم التعيين[39].
ويمكن أن يناقش هذا الدليل بأنه ليس هناك ما يمنع من وقوع الطواف من الحامل إذا نوى لنفسه أيضاً، لاستقلال نية كل من الحامل والمحمول عن الآخر، كما لو كان كل واحد منهما على مركوب ونوى كل واحد منهما لنفسه.
دليل القول الثالث:
واستدل أصحاب القول الثالث القائلون بأن الطواف يقع للحامل دون المحمول بأن الحامل هو الفاعل فيقع الطواف له دون المحمول[40].
ونوقش هذا الاستدلال بأن وقوع الطواف للمحمول أولى؛ لأن الحامل لم يخلص قصده لنفسه، إذ لو أخلص قصده لنفسه لما احتاج لحمل المحمول ليطوف لنفسه[41]، فإذا قيل بصحة طواف الحامل، فصحة طواف المحمول من باب أولى. فصح إذن الطواف منهما جميعاً.
أدلة القول الرابع:
واستدل أصحاب القول الرابع القائلون بعدم صحة الطواف عن أي واحد منهما بدليلين من المعقول:
1- أن الطواف صلاة، فلا يصح أن يصلي أحد عن نفسه، وعن غيره في الوقت نفسه[42].
ويمكن أن يناقش هذا الاستدلال بأن حمل المسن والطواف به مع وجود نيتين مستقلتين لكل من الحامل والمحمول لا تدخل في أمر النيابة فالحامل ليس نائباً عن المحمول بل هو حامل له ويطوف به مع بقاء نية المحمول.
2- أن طواف الحامل والمحمول فعل واحد في مثل هذه الحالة، فلا يقع عن اثنين، وليس أحدهما أولى من الآخر فلا يصح[43].
ويمكن أن يناقش: بأن الأصل صحة العمل مادام أن لكل واحد منهما نية مستقلة والمحمول يكون كالراكب على الدابة فيصح إذن عن الاثنين.
الترجيح:
ولعل الراجح -والله تعالى أعلم- هو القول بإجزاء الطواف عن كل من الحامل والمحمول إذا نوى كل واحد منهما الطواف لنفسه؛ لما يلي:
1- لقوة أدلة هذا القول وسلامة بعضها من المناقشة.
2- لورود المناقشة المؤثرة على أدلة الأقوال المخالفة.
3- أن هذا القول أيسر على الحامل ولا سيما مع كثرة الزحام في العصر الحاضر حال الطواف وغيره من المناسك.
4- أن المعتبر تحقيق النية والفعل وقد حصلت النية من الاثنين، كل واحد منهما بنية مستقلة، كما حصل الفعل منهما فالحامل فعله ظاهر والمحمول كالراكب على الدابة وليس هناك ما يمنع من اعتبار فعلهما جميعاً.
الفرع الثالث
الفرق بين الحمل والركوب في العربة
إذا لم يستطع المسن العاجز الطواف بنفسه، واحتاج أن يركب في عربة تُدفع أو يقودها هو أو غيره، فهل يختلف الحال في ذلك عن الطواف محمولاً؟
لم أجد للعلماء الأقدمين قولاً في هذه المسألة ولعل ذلك يرجع إلى أن هذه العربات من الوسائل الحديثة التي وجدت في العصر الحاضر، إلا أن أهل العلم لا يفرقون في الحكم بين الطواف راكباً على الدابة أو محمولاً[44].
قال ابن قدامة -رحمه الله تعالى-: «لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في صحة طواف الراكب إذا كان له عذر... والمحمول كالراكب فيما ذكرناه»[45].
أما لمن يكون الطواف في مثل هذه الحالة؟ هل يكون للمسن الذي على العربة أو لمن يدفع أو يقود العربة إذا لم يقدها المسن بنفسه إذا نوى القائد أو دافع العربة الطواف لنفسه بالإضافة إلى مساعدة المسن العاجز، ونوى المسن العاجز الطواف لنفسه؟
لم أجد لأهل العلم من المذاهب الأربعة قولاً في هذه المسألة –فيما اطلعت عليه-، إلا أن الظاهر أن الخلاف في المسألة السابقة ينسحب على الخلاف على هذه المسألة، فقد سبق البيان في المسألة السابقة مضمون الفرع الثاني وهو إذ طيف بالمسن العاجز محمولاً فلمن يكون الطواف؟ أن لأهل العلم أربعة أقوال، قول أن الطواف يصح للحامل والمحمول، وقول بأن الطواف للمحمول دون الحامل، وقول أن الطواف للحامل دون المحمول، وقول بعدم اجزاء الطواف عن أي واحد منهما.
وترجح القول بصحة الطواف عن الحامل والمحمول إذا نوى كل واحد منهما الطواف لنفسه، وذلك لعدم وجود ما يمنع من صحة نية كل واحد منهما، ولوقوع الطواف من كل واحد منهما حول البيت.
وفي هذه المسألة يمكن القول أنه يصح الطواف من راكب العربة، ومن قائدها أو دافعها من باب أولى؛ وذلك لوجود ما يشبه فعلين من دافع العربة، وهما المشي للطواف بنفسه، ودفع العربة التي ركب فيها المسن العاجز، فيصح الطواف من كليهما، ولا يوجد ما يمنع من صحة نية كل واحد منهما.
بل إن دفع العربة أو قيادتها والتي فيها المسن أشبه بمسألة قائد الدابة التي عليها المسن فيصح طواف المسن الراكب على الدابة، ويصح طواف القائد لاستقلال عمل كلٍ منهما ونيته فليس هناك حامل أو محمول.
ومن جهة أخرى فإن الحامل هو وسيلة اتصال المحمول بالأرض بخلاف المسن الذي في العربة أو المركبة فهو متصل بالأرض بواسطة هذه الآلة دون الدافع أو القائد، أما إذا قاد المسن العربة بنفسه بآلة يدوية أو كهربائية ونحو ذلك فهو كمن ركب دابة يقودها بنفسه وسبق بيان الإجماع على صحة طوافه إذا كان بعذر. والله تعالى أعلم.
المسألة الثالثة
سعي المسن محمولاً
إذا لم يستطع المسن السعي مستقلاً بنفسه فهل يجوز له أن يسعى محمولاً على آدمي أو عربة ونحوهما؟
لا خلاف بين أهل العلم في جواز السعي للمسن العاجز محمولاً أو راكباً إذا لم يستطع السعي بنفسه أو شق عليه ذلك[46].
قال الكاساني -رحمه الله تعالى-: «وأما ركنه - أي ركن السعي- فكينونته بين الصفا والمروة، سواء كان بفعل نفسه أو بفعل غيره عند عجزه عن السعي بنفسه بأن كان مغمىً عليه أو مريضاً فسُعي به محمولاً...» [47].
وقال الدسوقي -رحمه الله تعالى-: «أن المشي في كل من الطواف والسعي واجب على القادر عليه، فلا دم على عاجز طاف أو سعى راكباً أو محمولاً»[48].
وقال النووي -رحمه الله تعالى-: «...أن مذهبنا أنه لو سعى راكباً جاز ولا يقال مكروه لكنه خلاف الأولى»[49].
وقال ابن قدامة -رحمه الله تعالى-: «فأما السعي راكباً فيجزئه لعذر ولغير عذر»[50].
واستدل أهل العلم لقولهم بجواز السعي لكبير السن راكباً أو محمولاً بدليل من السنة: هو ما ثبت من حديث جابر –رضي الله عنه- قال: «طاف النبي –صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة، ليراه الناس، وليشرف وليسألوه، فإن الناس غشوه[51]»[52].
وجه الاستدلال من الحديث: أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- طاف وسعى راكباً للحاجة، وذلك ليراه الناس فيتعلموا منه –صلى الله عليه وسلم- مناسكهم، ولأن الناس ازدحموا عليه، فدل على جواز الطواف والسعي راكباً للعذر[53]، والمسن معذور لعدم استطاعته السعي بنفسه ماشياً أو لمشقة ذلك عليه.
المسألة الرابعة
هــرولـــة المـســـن
الهرولة[54] من سنن الحج بالاتفاق بين أهل العلم في المذاهب الأربعة[55].
فإذا استطاع المسن أن يهرول بين العلمين فهو أفضل وأكمل لكونها من سنن الحج؛ وأما إذا لم يستطع، أو شق عليه ذلك، فلا حرج عليه ألاَّ يهرول؛ لأنها ليست من واجبات الحج، وهو معذور لعدم الاستطاعة أو لمشقة ذلك عليه، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم في المذاهب الأربعة[56].
قال السرخسي -رحمه الله تعالى-: «وترك الرمل في طواف الحج والعمرة، والسعي في بطن الوادي بين الصفا والمروة لا يوجب عليه شيئاً غير أنه مسيء إذا كان لغير عذر، وكذلك ترك استلام الحجر، فالرمل واستلام الحجر وهذه الخلال من آداب الطواف أو من السنن، وترك ما هو سنة أو أدب لا يوجب شيئاً إلا الإساءة إذا تعمد»[57].
وقال النفراوي -رحمه الله تعالى-: «ويسن أن يخب، أي يسرع إن كان رجلاً في بطن المسيل في السبعة الأشواط، والمراد ببطن المسيل ما بين الميلين الأخضرين... فلو ترك الخبب المطلوب لا دم عليه، كما لا دم على من ترك الرمل في الطواف، لأن كلاً سنة خفيفة لم يقل أحد بفرضيتها»[58].
وقال النووي -رحمه الله تعالى-: «والسعي مستحب في كل مرة من السبع، بخلاف الرمل فإنه مختص بالثلاث الأول، كما أن السعي الشديد في موضعه سنة فكذلك المشي على عادته في باقي المسافة سنة، ولو سعى في جميع المسافة أو مشى فيها صح، وفاته الفضيلة»[59].
وقال ابن قدامة -رحمه الله تعالى-: «أن الرمل في بطن الوادي سنة مستحبة... وليس ذلك بواجب ولا شيء على تاركه»[60].
واستدل أهل العلم على جواز ترك الهرولة وعدم الحرج في ذلك على المعذور بحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: «إن أسع بين الصفا والمروة فقد رأيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يسعى، وإن أمشِ، فقد رأيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يمشي، وأنا شيخ كبير»[61].
وجه الاستدلال: أن ابن عمر -رضي الله عنهما- بيَّن أنه رأى النبي –صلى الله عليه وسلم- يسعى في بطن الوادي، ورآه أيضاً يمشي بدون سعي، فدل على أنه لا حرج على من لا يسعى في بطن الوادي، كما بيَّن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كبير في السن ولا يستطيع السعي أو يشق عليه ذلك، فدل على أنه لا حرج على من كان كبير السن ويشق عليه السعي[62].
والله تعالى أعلم.
المطلب الثاني
دفع المسن من مزدلفة قبل الفجر
إذا لم يستطع المسن الدفع مع الناس بعد طلوع الفجر من مزدلفة بسبب الزحام، أو شق عليه ذلك، فهل له الدفع قبل الفجر تفادياً للزحام، وسعياً للوصول إلى جمرة العقبة قبل وصول بقية الحجاج ليتمكن من رميها قبل حصول الزحام؟
اتفق العلماء في المذاهب الأربعة على جواز دفع الضعفة من الحجاج قبل طلوع الفجر عند الزحام وظهور المشقة حال الانتظار إلى طلوع الفجر والمسن يعتبر من الضعفة[63].
قال ابن عابدين: «إذا كانت به علة أو مرض أو ضعف فخاف الزحام فدفع ليلاً فلا شيء عليه»[64].
وقال ابن جلاب: «ولا بأس أن يقدم ضعفة أهله من مزدلفة على منى ليلة يوم النحر»[65].
وقال النووي: «قال الشافعي والأصحاب السنة تقديم الضعفاء من النساء وغيرهن من مزدلفة قبل طلوع الفجر بعد نصف الليل إلى منى...» [66].
وقال ابن قدامة: «ولا بأس بتقديم الضعفة والنساء... ولا نعلم فيه مخالفاً»[67].
واستدل أهل العلم على جواز دفع الضعفة من الحجاج من مزدلفة قبل الفجر بأدلة من السنة والمعقول:
أ - من السنة:
1- ما ثبت من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: «أنا ممن قَدَّمَ النبي –صلى الله عليه وسلم- ليلة المزدلفة في ضعفة أهله»[68].
2- ما ثبت من حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: «استأذنت سودة النبي –صلى الله عليه وسلم- ليلة جمع[69]، وكانت ثقيلة ثبطة[70]، فأذن لها»[71].
3- ما ثبت من حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل فيذكرون الله ما بدا لهم، ثم يرجعون قبل أن يقف الإمام، وقبل أن يدفع، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر، ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة. وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: «أرْخص في أولئك رسول الله –صلى الله عليه وسلم- »[72].
وجه الاستدلال من هذه الأحاديث: أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إذن للضعفة من أهله أن ينصرفوا من مزدلفة قبل طلوع الفجر، وفعل ذلك من بعده الصحابة –رضي الله عنه- ومنهم ابن عمر -رضي الله عنهما-، فدل على جواز دفع الضعفاء من الحجاج من المسنين وغيرهم قبل طلوع الفجر لرخصة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بذلك[73].
ب- من المعقول:
أن في دفع الضعفة والمسنين رفقاً بهم ودفعاً لمشقة الزحام عليهم، وتيسيراً في أداء مناسك حجهم، فشرع لهم ذلك[74].
المطلب الثالث
رمـي المسـن الجمـرات
وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: النيابة عن المسن في رمي الجمرات.
المسألة الثانية: صفة رمي النائب عن المسن.
المسألة الثالثة: جمع رمي أيام التشريق.
المسألة الأولى
النيابة عن المسن في رمي الجمرات
الأصل أن يرمي الحاج الجمرات بنفسه، ولكن إذا عجز المسن عن رمي الجمرات بنفسه، أو شق عليه ذلك، فهل يجوز أن يستنيب غيره ليرمي عنه؟ وإذا استناب المسن غيره هل يلزمه دم لعدم رميه بنفسه؟
لا خلاف بين العلماء في المذاهب الأربعة في أن من عجز عن رمي الجمرات بنفسه أو شق عليه ذلك مشقة شديدة والتي تنزل منزلة العجز أنه يجوز له أن يستنيب غيره ليرمي عنه[75].
قال السرخسي -رحمه الله تعالى-: «والمريض الذي لا يستطيع رمي الجمار يوضع الحصى في كفه حتى يرمي به؛ لأنه فيما يعجز عنه يستعين بغيره، وإن رُمي عنه أجزأ، بمنزلة المغمى عليه، فإن النيابة تجري في النسك كما في الذبح»[76].
وقال الإمام مالك -رحمه الله تعالى-: «إن كان ممن يستطاع حمله ويطيق الرمي ويجد من يحمله فليُحمل حتى يأتي الجمرة فيرمي، وإن كان ممن لا يُستطاع حمله ولا يقدر على من يحمله ولا يستطيع الرمي رُمي عنه»[77].
وقال الشربيني -رحمه الله تعالى-: «ومن عجز عن الرمي لعلة لا يرجى زوالها قبل فوات وقت الرمي كمرض أو حبس استناب من يرمي عنه»[78].
وقال ابن قدامة -رحمه الله تعالى-: «ومن كان مريضاً، أو محبوساً، أو له عذر، جاز أن يستنيب من يرمي عنه»[79].
واستدل أهل العلم -رحمهم الله تعالى- لجواز استنابة المعذور لرمي الجمرات بالقياس على جواز النيابة عن الصبي في رمي الجمرات بجامع العجز في كلتا الحالتين[80].
كما استدلوا على جواز ذلك بأن النيابة تجوز في الحج كله، وكذلك في بعض أعماله كالذبح، فكذلك تجوز في الرمي إذا عجز الحاج المعذور عن الرمي بنفسه[81].
واختلفوا بعد ذلك فيما يجب على المسن العاجز في هذه الحالة على قولين:
القول الأول: لا شيء على المسن العاجز في مثل هذه الحالة إذا عجز عن الرمي بنفسه عجزاً مستمراً ولم يزل عاجزاً إلى انتهاء وقت الرمي، واستناب غيره ورمى عنه، وإلى هذا ذهب جمهور العلماء من الحنفية[82]، والشافعية[83]، والحنابلة[84].
القول الثاني: يجب على المسن المعذور في هذه الحالة دم، وإلى هذا ذهب المالكية[85].
الأدلـة:
استدل الجمهور لقولهم بأن العاجز في هذه الحالة معذور، فلا شيء عليه غير الاستنابة، والواجب قد سقط عنه برمي النائب[86].
وأما المالكية فلم أجد لهم دليلاً –فيما اطلعت عليه- غير قولهم أن المعذور في هذه الحالة لم يرم بنفسه فوجب عليه الدم لذلك[87].
ويمكن أن يناقش هذا الاستدلال بأن إيجاب الدم لا دليل عليه فهو قول بلا دليل.
والراجح -والله تعالى أعلم- هو القول الأول لقوة دليلهم ولمناقشة دليل القول الثاني، وإيجاب الدم على القول بأن من ترك نسكا فعليه دم إنما يكون عند تركه بالكلية والحال أن النسك لم يترك بل جيء به بالنيابة.
المسألة الثانية
صفة رمي النائب عن المسن
إذا استناب المسن غيره ليرمي عنه الجمرات، فما صفة رمي النائب، اختلف أهل العلم في اشتراط كون النائب قد رمى عن نفسه قبل أن يرمي عن المنوب عنه –المسن- على قولين:
القول الأول: أنه يشترط فيمن يرمي عن غيره أن يكون قد رمى عن نفسه أولاً، ثم يرمي عن المستنيب، وإلى هذا ذهب الشافعية[88]، والحنابلة[89].
القول الثاني: لا يشترط فيمن يرمي عن غيره أن يكون قد رمى عن نفسه، وهذا ظاهر مذهب الحنفية[90]؛ لأنهم لم يذكروا اشتراط رمي النائب عن نفسه عند ذكرهم لجواز النيابة، وهو أيضاً مقتضى مذهبهم في مسألة الصرورة، إذ إنهم لا يرون اشتراط أن يكون النائب قد حج عن نفسه[91]، وهو مذهب المالكية[92]، إلاأنهم يرون استحباب كون النائب قد رمى عن نفسه[93].
الأدلـة:
استدل أصحاب القول الأول القائلون باشتراط أن يكون النائب قد رمى عن نفسه بدليلين من المعقول:
1- أن النيابة في الحج يشترط فيها أن يكون النائب قد حج عن نفسه فكذلك النيابة في رمي الجمرات[94].
2- أن النائب قد بقي عليه فرض نفسه فلا تصح نيابته عن غيره وهو لم يؤد عن نفسه[95].
وأما أصحاب القول الثاني القائلون بعدم اشتراط رمي النائب عن نفسه أولاً، فلم يذكروا دليلاً لقولهم -فيما اطلعت عليه-، ولعلهم يرون أنه لا دليل للقول باشتراط ذلك.
الترجيح:
ولعل الراجح -والله تعالى أعلم- هو القول باشتراط رمي النائب عن نفسه أولاً؛ وذلك لقوة ما استدل به من قياس رمي النائب على حج النائب، وقد ثبت اشتراط حج النائب عند النيابة[96]. فما كان شرطاً في النيابة لأعمال الحج كاملة يكون شرطاً في بعض أعمال الحج.
ومن صفة رمي النائب عن المسن ما ذهب إليه المالكية من استحباب أن يتحرى العاجز عن الرمي بنفسه وقت رمي النائب فيكبر عن رميه للجمرات[97].
ومن صفة رمي النائب أيضاً ما قرره الشافعية والحنابلة من استحباب ذهاب العاجز مع النائب إن استطاع إلى الجمرات، ليشهد الرمي ويضع الحصى في يد نائبه ليكون له عمل في الرمي.
ولم أجد -فيما اطلعت عليه- دليلاً شرعياً لما ذكره المالكية وكذا الشافعية والحنابلة من صفات رمي النائب المذكورة. والله أعلم.
المسألة الثالثة
جمع رمي أيام التشريق
إذا لم يستطع المسن الحضور إلى موقع الجمرات في أيام التشريق، أو شق عليه ذلك مشقة بالغة، بسبب ضعفه، أو بسبب الزحام وبعد الطريق مع التردد على الجمرات ليومين أو ثلاثة؛ فهل يرخص له أن يجمع الرمي في آخر أيام التشريق عندما يخف الزحام؟
وهل الأفضل له استنابة غيره ليرمي عنه جمرات كل يوم بيومه أو جمع الرمي في آخر أيام التشريق ليباشر الرمي بنفسه؟
هذه المسألة متفرعة عن مسألة اختلف أهل العلم فيها، وهي هل أيام التشريق الثلاثة وقت واحد للرمي فيجوز الرمي عن الأيام الثلاثة في آخر الأيام منها، أو يجب رمي كل يوم بيومه، ولا يجوز تأخير رمي كل يوم عن وقته؟
لأهل العلم في هذه المسألة قولان:
القول الأول: أنه يجب رمي جمرات كل يوم من أيام التشريق بيومه، ولا يجوز تأخيرها عن وقتها، وإلى هذا ذهب الحنفية على المذهب[98]، وهو قول المالكية[99]، وهو اختيار العلامة محمد بن العثيمين من المعاصرين[100].
القول الثاني: أنه يسن رمي جمرات كل يوم من أيام التشريق بيومه، ولا يجب، فمن تركها وجمعها في آخر أيام التشريق فلا شيء عليه غير أنه ترك السنة، ولا دم عليه، وإلى هذا ذهب محمد بن الحسن وأبو يوسف من الحنفية[101]، وهو قول الشافعية[102]، والحنابلة[103].
الأدلـة:
استدل أصحاب القول الأول القائلون بوجوب رمي كل يوم بيومه بأدلة من السنة:
1- ما ثبت عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه رمى جمرات أيام التشريق كل يوم بيومه، وقال –صلى الله عليه وسلم-: «لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه»[104].
وجه الاستدلال: أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أمر أن نأخذ عنه المناسك ومن المناسك التي فعلها –صلى الله عليه وسلم- رمي جمرات كل يوم في يومه والأمر في أخذ المناسك الأصل فيه أنه للوجوب ما لم يصرفه صارف ولا صارف فدل على عدم جواز التأخير إلا لعذر[105].
2- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- «رخَّص للرعاة أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً»[106].
وجه الاستدلال: أن كلمة «رخَّص» تدل على أن من سواهم يكون وقت الرمي في حقهم عزيمة[107].
واستدل أصحاب القول الثاني القائلون بجواز جمع الرمي في آخر أيام التشريق بأدلة من السنة والمعقول:
أ - من السنة:
أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أذن للرعاة بالجمع في الرمي، فدل على أن جميع أيام التشريق وقت للرمي، إذ لو لم يكن كذلك لم يختلف الحال فيها بالنسبة للمعذور وغيره في عدم جواز الجمع[108].
ونوقش هذا الاستدلال بعدم التسليم بعدم الفرق بين المعذور وغيره، حيث إن إذن النبي –صلى الله عليه وسلم- للرعاة بالجمع كان رخصة للعذر، بخلاف غير المعذور[109].
ب- من المعقول:
1- أن أيام التشريق كلها وقت للرمي، فإذا أخره من أول وقته إلى آخره لم يلزمه شيء كما لو أخر الوقوف بعرفة إلى آخر وقته[110].
ويمكن أن يناقش هذا الاستدلال بأنه استدلال بمحل النزاع؛ لأن أصحاب القول المخالف يقولون بأن كل يوم من أيام التشريق وقت مستقل لرمي جمرات ذلك اليوم، فلا يصح الاستدلال.
كما أن القياس على الوقوف بعرفة قياس مع الفارق فإن الوقوف بعرفة هو وقت واحد متصل فيصح في أوله أو آخره، كما أن الرمي لكل يوم له وقته المستقل فيصح الرمي في أوله أو آخره أما اليوم الثاني من أيام الرمي وهي أيام التشريق فهو مستقل عن الأول وكذا عما بعده فلا يصح القياس.
وبناء على ما مضى، فعلى المذهب الشافعي والحنبلي وعند أبي يوسف ومحمد من الحنفية يجوز للمسن أن يجمع رمي جمرات أيام التشريق في آخر يوم لها، ولا شيء عليه في ذلك فمن باب أولى إذا كان المسن عاجزاً فهو معذور.
وعلى المذهب الحنفي يحتمل أيضاً أن يجوز للمسن العاجز الجمع والا يكون عليه في ذلك شيء لكونه معذوراً، فهم يرون وجوب الدم على من جمعها لغير عذر[111].
وأما على المذهب المالكي فالذي يظهر أنه لا يجوز للمسن العاجز عندهم أن يجمع رمي الجمرات إلى آخر أيام التشريق لأنهم يوجبون رمي كل يوم بيومه ونصوا على أن المريض يوكل في الرمي إلا أن تتحسن حالة المسن في آخر أيام التشريق فإنه يلزمه الرمي عن جميع الأيام مع وجوب الدم[112].
الترجيح:
والراجح والله أعلم بالنسبة للمسألة الأولى وما تفرع منها بخصوص المسن العاجز أن وقت الرمي محدد ولا يجوز تأخيره ولا جمعه من غير عذر، فإن تحقق العذر كحال المسن الذي يعجز عن مباشرة الرمي بنفسه أو يشق عليه مشقة عظيمة أو يتعرض للخطر فإنه يجوز له تأخير الرمي إلى آخر أيام التشريق وذلك جمعاً بين حديث «خذوا عني مناسككم» وفعله –صلى الله عليه وسلم- وبين رخصته –صلى الله عليه وسلم- للرعاة للعذر فالمسن العاجز أولى.
وأما هل الأفضل الجمع أو الاستنابه فالذي يظهر لي -والله أعلم- أن ينظر في حال المسن، فإذا كان لا يستطيع الوصول إلى موقع الجمرات بسبب كبر سنة ومشقة الوصول إليه بسبب بعد الطريق أو وعورته ونحوهما فإن الأفضل له التوكيل، لما سبق ذكره من الأدلة على جواز ذلك. ويتم أداء رمي كل يوم من أيام الرمي في وقته المحدد بالوكالة.
وأما إذا كان المسن لا يستطيع الوصول إلى الجمرات أو يشق عليه ذلك بسبب الزحام، ويستطيع الوصول إليها ولو راكباً بعد زوال الزحام في اليوم الثاني أو الثالث من أيام التشريق، فالأفضل في حقه أن يجمع ويباشر بنفسه الرمي؛ وذلك لإذن النبي –صلى الله عليه وسلم- لأصحاب العذر من الرعاة بجمع الرمي للعذر، والمسن مثلهم في العذر بل أولى.
وهذا مال إليه العلامة محمد بن العثيمين -رحمه الله تعالى- من المعاصرين، حيث سئل عن رجل مريض لا يستطيع الرمي يوم العيد فهل له أن يؤخر الرمي إلى آخر يوم التشريق أو يوكل أفضل؟
فأجاب بقولـه: «إذا صار عند الإنسان مانع يمنعه من الرمي يوم العيد، فإنه يؤخره حتى يقوى على ذلك؛ لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- أذن للرعاة أن يرموا يوماً، ويدعوا يوماً ولم يقل لهم: وكلوا، .... فنقول: أما التعب فإن كان تعباً دائماً كالمرأة الحامل، أو الرجل الكبير في السن، أو عجوز كبيرة في السن فليوكل، أما إذا كان أصابه مرض خفيف يرجو أن يبرأ منه في آخر أيام التشريق فلا يجوز أن يوكل»[113].
[1] ينظر: بدائع الصنائع 2/194، وفتح القدير 2/513.
[2] ينظر: الشرح الصغير بهامش بلغة السالك 1/245 و 257.
[3] ينظر: المجموع 8/60، ومغني المحتاج 1/655 و 662.
[4] ينظر: المغني 5/52 و 55، والانصاف 8/20 و 21 و 22 .
[5] الإجماع ص/53.
[6] ينظر: المرجع السابق.
[7] ينظر: فتح القدير 2/513.
[8] التحَجُّن اعْوجاج الشيء, و المحجن: بكسر الميم وإسكان الحاء وفتح الجيم ، وهو عصا معقوفة ، يتناول بها الراكب ما سقط له ، ويحرك بطرفها بعيره للمشي . ينظر: لسان العرب: 2/34, النهاية: 1/347.
[9] أخرجه البخاري: كتاب:الحج، باب: استلام الركن بالمحجن: ص311 برقم: 1607، ومسلم في صحيحه في كتاب الحج، باب جواز الطواف على بعير وغيره ص503 ورقمه 1272.
[10] ينظر: النيابة في العبادات ص/341.
[11] أخرجه البخاري: كتاب الحج، باب: طواف النساء مع الرجال: ص312 برقم: 1619، ومسلم في صحيحه في كتاب الحج باب جواز الطواف على بعير وغيره ص503 ورقم 1276.
[12] ينظر: الإجماع لابن المنذر ص/53، والمجموع 8/60.
[13] ينظر: المبسوط 3/44، وبدائع الصنائع 2/194، والمنتقى 3/515، وحاشية الدسوقي 2/63، والمجموع 8/27، ومغني المحتاج 1/655، والمحرر 1/244، وكشاف القناع 2/381.
[14] المبسوط 3/44.
[15] المنتقى 3/515.
[16] المجموع 8/27.
[17] المغني 5/249 و 250.
[18] ينظر: المنتقى 3/515، والمغني 5/250، والشرح الكبير 9/105.
[19] ينظر: المنتقى 3/515، والمغني 5/250، وكشاف القناع 2/381.
[20] ينظر: بدائع الصنائع 2/194، والمنتقى 3/515، والمجموع 8/28، والمغني 5/55.
[21] ينظر: المغني 5/55.
[22] ينظر: بدائع الصنائع 2/194.
[23] ينظر: المجموع 8/28.
[24] ينظر: المغني 5/55.
[25] ينظر: المجموع 8/28.
[26] ينظر: المغني 5/55، والانصاف 9/110.
[27] ينظر: المجموع 8/28.
[28] ينظر: المغني 5/55، والانصاف 9/109.
[29] ينظر: المغني 5/55، والشرح الكبير 9/110.
[30] ينظر: هداية السالك على المذاهب الأربعة في المناسك 2/776.
[31] ينظر: بدائع الصنائع 2/194.
[32] ينظر: بدائع الصنائع 2/194.
[33] ينظر: المغني 5/55.
[34] ينظر: المرجع السابق 5/55.
[35] ينظر: المغني 5/55.
[36] ينظر: المغني 5/55، وكشاف القناع 2/381.
[37] ينظر: بدائع الصنائع 2/194.
[38] ينظر: بدائع الصنائع 2/194.
[39] ينظر: المغني 5/55.
[40] ينظر: المجموع 8/28، والمغني 5/55.
[41] ينظر: المغني 5/55.
[42] ينظر: المنتقى 3/515.
[43] ينظر: المغني 5/55، والشرح الكبير 9/110.
[44] ينظر: المبسوط 3/44، وبدائع الصنائع 2/194، والمنتقى 3/515، وحاشية الدسوقي 2/63، والمجموع 8/28، ومغني المحتاج 1/655، والمغني 5/249، والشرح الكبير 9/104 و 105.
[45] المغني 5/249 و 250.
[46] ينظر: المبسوط 3/45، وبدائع الصنائع 2/203، والاستذكار 12/186، وحاشية الدسوقي 2/63، والمجموع 8/77، وروضة الطالبين 3/91، والمغني 5/249، و 251، والمبدع 3/220.
[47] بدائع الصنائع 2/203.
[48] حاشية الدسوقي 2/63.
[49] المجموع 8/77.
[50] المغني 5/251.
[51] غشوه: أي إزدحموا عليه، ينظر: صحيح مسلم بشرح النووي 9/22.
[52] أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب جواز الطواف على بعير وغيره 503 برقم: 1273.
[53] ينظر: المبسوط 3/45، والمجموع 8/77، وكشاف القناع 2/481.
[54] الهَرْولة ضرْب من العَدْو بين العَدْوِ والمشي, وقيل الهَرْولة بعد العَنَق وقيل الهَرْولة الإِسراع, وقيل الهَرْولة فوق المشي ودون الخبب والخَبَبُ دون العَدْو. ينظر: لسان العرب: 6/331، والنهاية: 5/261.
[55] ينظر: المبسوط 3/46، وبدائع الصنائع 2/204 و 224، والفواكه الدواني 1/551، وحاشية الدسوقي 2/65، والمجموع 8/75، وروضة الطالبين 2/90، والمغني 5/238، والشرح الكبير 9/132.
[56] ينظر: المبسوط 3/46، والفواكه الدواني 1/551، والمجموع 8/75، والشرح الكبير 9/132.
[57] المبسوط 3/46.
[58] الفواكه الدواني 1/551.
[59] المجموع 8/75.
[60] المغني 5/238.
[61] أخرجه أبوداود في سننه، في كتاب المناسك، باب أمر الصفا والمروة ص219 برقم: 1904 والترمذي في كتاب الحج، باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة ص160 برقم: 864، وقال: «هذا حديث حسن صحيح»، وابن ماجه: كتاب المناسك، باب: السعي بين الصفا والمروة ص324 برقم: 2988، والنسائي في السنن الكبرى: كتاب: الحج، باب: المشي بين الصفا والمروة: 2/414 برقم: 3971، وأحمد: 2/41 برقم: 4993 و 2/119 برقم: 5999، وصححه الألباني –رحمه الله تعالى-. ينظر: صحيح وضعيف ابن ماجه برقم 2988.
[62] ينظر: الاستدلال بالحديث في المغني 5/238.
[63] ينظر: بدائع الصنائع 2/206، وحاشية ابن عابدين 2/563، ومواهب الجليل 4/188، والتفريع 1/342، والمجموع 8/139، ومغني المحتاج 1/671، والمغني 5/286، والشرح الكبير 9/183.
[64] حاشية ابن عابدين 2/563.
[65] التفريع 1/342.
[66] المجموع 8/139.
[67] المغني 5/286.
[68] أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب من قدم ضعفه أهله بليل ص322 ورقمه 1678، ومسلم في كتاب الحج، باب استحباب تقديم رفع الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة ص510 برقم: 1293
[69] أي ليلة المزدلفة: وهي ليلة العيد سميت ليلة جمع؛ لأنه يجمع صلواتها. ينظر: النووي: شرح مسلم:9/39 و 40 و 41، فيض القدير:3/539.
[70] ثَبِطَة: التَّثْبِيطِ هو التعْوِيقُ والشَّغْلُ عن المُراد, وثبطة: أي ثقيلة بطيئة الحركة كأنها تثبط بالأرض أي تشبث بها. ينظر: شرح النووي على مسلم: 9/143، لسان العرب: 1/326.
[71] أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب من قدم ضعفة أهله بليل ص322 ورقمه 1680، ومسلم في كتاب الحج، باب استحباب الحج، باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة ص510 برقم: 1290.
[72] أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب من قدم ضعفة أهله بليل ص322، ورقمه 1676، ومسلم في كتاب الحج، باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة ص511 برقم: 1295.
[73] ينظر: بدائع الصنائع 2/206، والمجموع 8/139، وصحيح مسلم بشرح النووي 9/42، وفتح الباري
3/615.
[74] ينظر: المغني 5/286، والشرح الكبير 9/183.
[75] ينظر: المبسوط 4/69، وبدائع الصنائع 2/207، والمدونة 1/423، والكافي لابن عبدالبر 1/410، والمجموع 8/283، ومغني المحتاج 1/683، والشرح الكبير 9/250، وكشاف القناع 2/510 و 511.
[76] المبسوط 4/69.
[77] المدونة 1/423.
[78] مغني المحتاج 1/683.
[79] الشرح الكبير 9/250.
[80] ينظر: المجموع 8/283، والنيابة في العبادات ص/345.
[81] ينظر: المبسوط 4/69، وبدائع الصنائع 2/207، ومغني المحتاج 1/683.
[82] ينظر: المبسوط 4/69، وبدائع الصنائع 2/207.
[83] ينظر: المجموع 8/283، ومغني المحتاج 1/683.
[84] ينظر: الشرح الكبير 9/250، وكشاف القناع 2/510.
[85] ينظر: المدونة 1/423، والتفريع 1/346، والكافي لابن عبدالبر 1/410.
[86] ينظر: المبسوط 4/69، وبدائع الصنائع 2/207، والمبدع 3/240.
[87] ينظر: المدونة 1/423.
[88] ينظر: روضة الطالبين 3/115، ومغني المحتاج 1/683.
[89] ينظر: المغني 5/52.
[90] ينظر: المبسوط 4/69، وبدائع الصنائع 2/207.
[91] ينظر: بدائع الصنائع 2/319 و 320، وحاشية ابن عابدين 2/663.
[92] ينظر: المدونة 423، والتفريع 1/346.
[93] ينظر: الكافي لابن عبدالبر 1/410.
[94] ينظر: مغني المحتاج 1/683.
[95] ينظر: المغني 5/52.
[96] كما هو في حديث شبرمة.
[97] ينظر: المدونة 1/423، والكافي لابن عبدالبر 1/420.
[98] ينظر: المبسوط 4/74، وبدائع الصنائع 2/210، وحاشية ابن عابدين 2/574.
[99] ينظر: المدونة 1/424، والتفريع 1/346، والكافي لابن عبدالبر 1/410.
[100] ينظر: الشرح الممتع 7/388.
[101] ينظر: المبسوط 4/65، وبدائع الصنائع 2/210.
[102] ينظر: المجموع 8/240، ومغني المحتاج 1/683.
[103] ينظر: المغني 5/332، والإنصاف 9/245، وكشاف القناع 2/510.
[104] أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً، وبيان قوله r: «لتأخذوا عني مناسككم» 512 برقم: 1297 والبيهقي في السنن الكبرى 5/125 برقم 9307 بلفظ «خذوا عني مناسككم».
[105] ينظر: الشرح الممتع 7/388.
[106] أخرجه الترمذي: كتاب: الحج، باب: ما جاء في الرخصة للدعاء أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً: 173 برقم: 954، وأبو داود: كتاب: المناسك، باب: في رمي الجمار: 227 برقم: 1975 ، وأحمد 5/450 برقم: 23828، وابن خزيمة في صحيحه: 4/319 برقم: 2976.
[107] ينظر: الشرح الممتع 7/388.
[108] ينظر: مغني المحتاج 1/683، والمغني 5/333.
[109] ينظر: الشرح الممتع 7/388.
[110] ينظر: المغني 5/333، والشرح الكبير 9/245، وكشاف القناع 2/510.
[111] ينظر: بدائع الصنائع 2/210، وحاشية ابن عابدين 2/574.
[112] ينظر: المدونة 1/424، والتفريع 1/346، والكافي لابن عبدالبر 1/410.
[113] مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين 23/115 و 116.
رابح :: اسلاميات :: صفه الحج والعمرة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
2017-01-05, 6:52 am من طرف أعمال متطورة
» كيفيه عمل شير للملفات من علي ويندوز7
2016-09-05, 12:52 am من طرف محمود
» إليكم أسطوانة التعريفات الشامله لوندوز 7 من مايكروسوفت مباشراً
2016-05-11, 3:11 am من طرف محمود
» ويندوز Windows Maki XP 2013 المعدل
2016-05-08, 10:47 am من طرف محمود
» تحميل برنامج اكسل 2007 عربي مجانا مباشر
2016-05-08, 4:20 am من طرف محمود
» تنصيب الويندز علي الفلاش ميمورى ببرنامج
2016-05-06, 6:00 pm من طرف محمود
» مواعيد سداد فاتورة التليفون - سداد فواتير التليفون المنزلي
2016-04-11, 3:01 am من طرف محمود
» وداعا ل netcut واهلا ب selfishnet للتحكم الكامل فى شبكة الانترنت
2016-02-13, 2:03 am من طرف محمود
» قم بفرمتة بطائق SD الخاصة بك بنقرة واحدة SD Card Formatter icon SD Card Formatter v4.0 SD Association
2016-02-02, 2:51 am من طرف محمود